مكافحة الجريمة الإلكترونية بالتنوع العصبي

  • يميل الأشخاص المصابون بمتلازمة إسبرغر أو التوحد إلى التفكير بشكل أكثر حِرفية و منهجية، مما يجعلهم بارعين بشكل خاص في الرياضيات و التعرف على الأنماط، و هي مهارات بالغة الأهمية في مجال الأمن الإلكتروني.
  • الجريمة سيبرانية - جريمة الفضاء الإلكتروني

    يُعَد الأمن الإلكتروني (السيبراني) واحدا من التحديات البارزة في العصر الرقمي. و الجميع، من الأسر إلى الشركات إلى الحكومات، لهم مصلحة في حماية السلعة الأعظم قيمة في عصرنا؛ البيانات. و السؤال هو كيف يمكن تحقيق هذه الغاية؟

    لا ينبغي لنا أن نستهين بحجم هذا التحدي، فمع اكتساب المهاجمين قدرا متزايدا من المهارة و الإبداع و تسلحهم بمجموعة متزايدة التنوع من الأسلحة، تقع الهجمات الإلكترونية بوتيرة أسرع و قدر من التطور أعظم من أي وقت مضى. و الواقع أن الفريق الأمني في شركتي “بي تي”، التي تعمل في مجال تشغيل الشبكات و تقديم خدمة الإنترنت، يكتشف 100 ألف عينة من البرمجيات الخبيثة كل يوم، و هذا ما يربو على معدل “واحد في الثانية”.

    في مواجهة الفِكر الإبداعي بين المهاجمين الإلكترونيين يتعين علينا نحن الذين نتصدى لهم أن نستعين بالفكر الإبداعي. و هنا تتمثل الخطوة الأولى في ضمان وجود العدد الكافي من الأفراد الموهوبين المدربين الذين يشاركون في المعركة.

    فوفقا لدراسة حديثة أجرتها مؤسسة البيانات الدولية، أعربت 97% من المنظمات عن مخاوف بشأن مهاراتها الأمنية. و تشير تقديرات دراسة أخرى إلى أن عدد الوظائف الشاغرة في مجال الأمن الإلكتروني قد يبلغ 1.8 مليون وظيفة بحلول عام 2022.

    من الأهمية بمكان، وسط هذا النقص الخطير في المتخصصين في الأمن الإلكتروني، أن نعمل على تطوير أساليب جديدة لاجتذاب و تثقيف الأفراد الموهوبين و الاحتفاظ بهم، من أجل خلق مجتمع عميق من الخبراء الإلكترونيين من ذوي المهارات العالية و المجهزين للتغلب على المجرمين الإلكترونيين في لعبتهم.

    يميل الأشخاص المصابون بمتلازمة إسبرغر أو التوحد إلى التفكير بشكل أكثر حرفية و منهجية، مما يجعلهم بارعين بشكل خاص في الرياضيات و تعرّف الأنماط، و هي مهارات بالغة الأهمية في مجال الأمن الإلكتروني

    الأمن الإلكتروني والتوحد

    يكمن المفتاح إلى تحقيق النجاح في تنوع المواهب و وجهات النظر. و هذا يشمل التنوع العصبي، كذلك النوع الذي يُظهِره الأشخاص الذين يعانون من التوحد، و متلازمة إسبرغر، و اضطراب نقص الانتباه.

    على سبيل المثال، يميل الأشخاص المصابون بمتلازمة إسبرغر أو التوحد إلى التفكير بشكل أكثر حِرفية و منهجية، مما يجعلهم بارعين بشكل خاص في الرياضيات و التعرف على الأنماط، و هي مهارات بالغة الأهمية في مجال الأمن الإلكتروني.

    المشكلة هنا هي أن الأشخاص الاستثنائيين عصبيا يميلون إلى الحصول على تقييمات متدنية في إطار عملية المقابلة التقليدية، و هي التي تعتمد كثيرا على مهارات الاتصال اللفظي. و نتيجة لهذا، يكافح هؤلاء الأشخاص عادة للعثور على عمل، و حتى عندما يجدون وظيفة قد لا تكون البيئة التي يعملون فيها قادرة على دعمهم بالقدر الكافي.

    تشير تقارير الجمعية الوطنية للتوحد في المملكة المتحدة إلى أن 16% فقط من البالغين المصابين بالتوحد في
    بريطانيا يعملون بدوام كامل مدفوع الأجر، و 32% منهم فقط يمارسون أي عمل مدفوع الأجر، مقارنة بنحو 47% من المعوقين و 80% من الأصحاء. و هذا يسلط الضوء على حجم التحدي الذي يواجه هؤلاء المرشحين، فضلا عن عدم استغلال المورد الكبير الذي يمثلونه.

    وانطلاقا من إدراكنا في مجموعة “بي تي” لإمكانات التنوع العصبي وقدرته على المساهمة في تعزيز الأمن الإلكتروني، قمنا بإعادة تأطير الكيفية التي نتفاعل بها مع المرشحين خلال المقابلات. و نحن نشجعهم على التحدث عن اهتماماتهم، و لا نتوقع منهم أن يجيبوا نموذجيا ببساطة على أسئلة عن أهدافهم الوظيفية أو أن يعددوا مواطن قوتهم و نقاط ضعفهم.

    في العصر الرقمي، ينبغي لنا أن ننظر إلى التنوع العصبي باعتباره ميزة تنافسية و ليس عائقا. و لدينا الآن الفرصة للاستثمار في الموهوبين على النحو الذي يعود عليهم و على الشركات و المجتمع ككل بالفائدة

    ميزة تنافسية

    و قد جرى تطبيق هذا النهج بالفعل بنجاح كبير في شركات مثل مايكروسوفت و أمازون و ساب، في مجالات مثل الترميز و تطوير البرمجيات، وفي منظمة “مكاتب الاتصالات الحكومية” للاستخبارات و الأمن  في المملكة المتحدة، التي تعد من أكبر أرباب العمل الذين يوظفون المتوحدين في البلاد.

    بطبيعة الحال، لن ينجح النهج المستحدث في مقابلة المرشحين مع الجميع. و لكنها بداية. و على نطاق أوسع، يتعين علينا أن نبذل المزيد من الجهد ليس فقط لتوسيع الفرص المتاحة للمرشحين الاستثنائيين عصبيا، بل و أيضا لضمان نشر هذه الفرص على نطاق واسع.

    يتطلب هذا التغيير القيادة البارعة من قِبَل الحكومات و الشركات و التعاون بينها. ويسرني أن أقول إن مجموعة “بي تي” تضطلع بدور رائد على هذه الجبهة بالفعل، بما في ذلك من خلال العمل مع الحكومة البريطانية على تحسين برامج الاستكشاف السيبراني، و هي مبادرة خاصة لاجتذاب تلاميذ المدارس إلى الصناعة السيبرانية، و من خلال دورات التدريب التي نقدمها.

    في العصر الرقمي، ينبغي لنا أن ننظر إلى التنوع العصبي باعتباره ميزة تنافسية، و ليس عائقا. و لدينا الآن الفرصة للاستثمار في الموهوبين الذين يُترَكون خلف الركب عادة عندما يتعلق الأمر بالعمل، على النحو الذي يعود عليهم و على الشركات و المجتمع ككل بالفائدة.

    و من خلال إدراك مهارات هذا المجمع من الموهوبين المتجاهلين إلى حد كبير، يُصبِح بوسعنا معالجة النقص الحرج في المهارات في اقتصاداتنا وتعزيز قدرتنا على مكافحة الجريمة الإلكترونية. و لا ينبغي لنا أبدا أن نفوت مثل هذه الفرص.

    جافن باترسون – الرئيس التنفيذي لمجموعة بي تي

    المصدر الرئيسي للمقال: بروجيكت سينديكيت

    الترجمة: موقع الجزيرة

    loading...