مدينة واد زم المغربية.. من مدينة الشهداء إلى عاصمة الابتزاز الجنسي الإلكتروني العالمية

  • حكاية سمير: ما بدأ دردشة مثيرة مع فتاة جميلة انتهى بكابوس
  • الإبتزاز الجنسي الإلكتروني

    “أنا فتاة لبنانية عمري 23 عاما” هكذا قدمت الفتاة الجذابة نفسها على سكايب عندما بدأت الدردشة مع سمير الشاب الفلسطيني المقيم في إيطاليا (هذا ليس اسمه الحقيقي). لم يتخيل سمير للحظة أن تلك الفتاة المثيرة التي لم تكن ترتدي إلا القليل أمامه على سكايب هي في الواقع شاب مغربي يعيش في مدينة وادي زم التي اقترن اسمها خلال السنوات الأخيرة بعمليات النصب الإلكتروني.

    تفاصيل ما بدأ دردشة مثيرة مع فتاة حسناء و انتهى بكابوس مزعج رواها سمير بكل صراحة للصحفي شون أونيل.

    حدث ذلك عندما كنت وحدي بالمنزل. أضافتني تلك الفتاة على فيسبوك. لم أستغرب الأمر لأنني أتلقى باستمرار طلبات صداقة من زملاء دراسة مثلا لا أتذكر الكثير عنهم.

    في اليوم التالي بعثت لي برسالة قالت فيها:”لقد اطلعت على صفحتك و سجلت إعجابي لصورتك” فقمت بزيارة صفحتها و بهرني جمالها. فقد كانت مثيرة للغاية.

    في تلك الليلة بدأنا الدردشة عبر سكايب. قالت إنها في الثالثة و العشرين و إن والديها متوفيان و تعيش مع شقيقتها الكبرى في مدينة صيدا اللبنانية. و أضافت أنها تشعر بالضجر لأنها لا تعمل أو تدرس و شقيقتها صارمة جدا. عندما سألتها عن هواياتها صارحتني مباشرة أنها تحب الجنس كثيرا.

    تعجبت لصراحتها في البداية. أثارت فضولي و لكن ساورتني الشكوك بسبب حديثها المباشر عن الجنس مع شخص لا تعرفه. و لكني كنت أشعر بالملل أيضا. كانت صديقتي متغيبة خارج المدينة و لم يكن لدي ما أفعله فقررت مسايرة هذه الفتاة حتى أرى أين ستؤدي بِنا هذه الدردشة.

    بعد قليل سَألَتْ إن كانت لديّ كاميرا ويبكام. قمت بتشغيل الكاميرا و قلت لها: “هل يمكن أن أراك أيضا؟”. عندما شغلت الكاميرا رأيت أنها بالفعل جميلة.

    واصلنا الدردشة و لكن بالكتابة فقط حيث قالت إن شقيقتها موجودة في الغرفة المجاورة و قد تسمع صوتها. تطور الحديث بيننا إلى أن قالت إنها تشعر بالإثارة.

    بعدها طلبت أن ترى عضوي الذكري. انصعت لطلبها ثم قلت لها: “جاء دورك الآن”. فاستلْقَتْ على ظهرها و خلعت ملابسها و بدأت تُمارس العادة السرية. قلت لنفسي:”غير معقول، لم أصادف شيئا كهذا من قبل. و بهذه السهولة!”

    بدأت أفعل نفس الشيء. و بعد لحظات بدا عليها هي أيضا و كأنها بلغت ذروة النشوة. بعدها عاودت الدردشة معي و هي لا تزال دون ملابس. سألتني عن عملي فقلت لها إنني أعمل في مجال التسويق في إيطاليا. فردّت: “لا بد أنك ثري” فقلت لها ‘أنا لا بأس بي’. في هذه اللحظة كتبت أنها تسمع وقع خطوات شقيقتها و إنه لا بد أن تنهي الدردشة.

    بعدها بنصف ساعة تقريبا تلقيت رسالة على فيسبوك نصها كالتالي: ‘اسمع، أنا رجل لقد سجلت لك فيديو و أنت تمارس العادة السرية…..هل تود مشاهدته؟

    أرسل لي التسجيل و كان عبارة عن خمس دقائق أظهر فيه و أنا أمارس العادة السرية.

    الإبتزاز الجنسي واد زم

    أضافت الرسالة: ‘لديّ قائمة بكل أفراد أسرتك الموجودين على فيسبوك: والدتك، شقيقتك، أولاد عمومتك… أمامك أسبوع واحد لترسل لي 5000 يورو و إما سأرسل لهم الفيديو.

    أصبت بحالة من الصدمة. قلت لنفسي يا إلهي، إنها مصيبة! أول ما فكرت فيه كان أن أدفع المبلغ فورا. ثم قمت بإزالة الفتاة – أو ذلك الرجل- من قائمة معارفي على سكايب و لكن بعدها فورا تلقيت رسالة على واتساب تقول “أنا هنا”.

    فبدأت أستعطفه. قلت له إنه ليس لدي 5000 يورو. قال: “بالطبع لديك. أنت تعمل في وظيفة جيدة في أوروبا”. قلت له ‘لا أنا كنت أكذب لنيل إعجاب الفتاة. أنا مجرد موظف توصيل طلبات في محل بيتزا’. تذكرت أنني أرسلت لها صورة لي و أنا أقوم بتركيب البلاط في حمام بيتي و قلت له ‘هل تعتقد أنه لو أنني ثري كنت سأقوم بهذا العمل بنفسي؟”

    يبدو أنه اقتنع بعض الشيء و قال لي ‘”قد يكون هذا صحيحا و لكنني لا أبالي. لديك أسبوع واحد لترسل لي 2000 يورو و إلا سأرسل هذا الفيديو لجميع أفراد أسرتك”.

    حاولت أن أتمالك نفسي و أن أفكر بشكل منطقي. قلت لنفسي: لو أرسلت إليه المبلغ، ما الذي سيمنعه من العودة لطلب المزيد؟

    حينها فكرتُ أنه لو أرسل الفيديو لقائمة أصدقائي – و الذين لا يعرفونه – فسوف يذهب في صندوق بريد المهملات. و حتى لو وجدوه لن يقدم أحد على فتح فيديو أرسله مجهول. من المحتمل أنه قد يكون فيروسا. وجدت نفسي أمام خيارين: إما أن أدفع المبلغ المطلوب دون أي ضمان أنهم لن يعودوا لطلب المزيد فيما بعد.

    في هذه اللحظة أرسل لي يقول إنه سوف يرفع التسجيل على موقع يوتيوب. قلت له “افعل ذلك، لم يعد يهمني”.

    بعدها حذفته من قائمة أصدقائي على فيسبوك و عدّلت إعدادات الخصوصية لحظر أي شخص من النشر على صفحتي أو الإشارة إليَّ دون موافقتي.

    لكنه عاود و أرسل لي رابط الفيديو على واتساب. شاهدت نفسي مرة أخرى أمارس العادة السرية على موقع يوتيوب. شعرت عندها بالغثيان.

    أبلغت إدارة يوتيوب فورا لاحتواء التسجيل على مشاهد جنسية. في تلك الأثناء كان يواصل تهديدي بأنه سيرسل الفيديو لأقاربي على فيسبوك لو لم أدفع. صممت على موقفي فغضب بشدة و بدأ يبعث برسائل سباب قائلا إنه سيرسل التسجيل لوالدتي و كل معارفي. بعد حوالي ساعة رفعت إدارة يوتيوب الفيديو من على الموقع. أعتقد أن كل المشاهدات المسجلة كانت لي باستثناء مشاهدة واحدة ربما. قد يكون المُشاهد هو المبتز نفسه أو ربما أحد أقربائي. لن أعلم بالتأكيد و لكنني لم أسمع شيئا من أحد.

    ربما أحد أقربائي الذكور شاهده و لم يبلغ أحدا. و لكن تخيلوا لو شاهدته مثلا إحدى عماتي أو خالاتي؟ كانت بالتأكيد ستبلغ شقيقتها، و زوجها و أبويها و سرعان ما كان سينتشر الخبر في العالم أجمع. فأنا لدي أقارب في أمريكا و كندا و أستراليا و السعودية و دول الخليج و أوروبا.

    ماذا لو شاهدت أمي ذلك التسجيل؟ لو حدث ذلك سألقي بنفسي من النافذة من شدة العار!

    لم أسمع من ذلك الشخص بعد حذف الفيديو من على فيسبوك. أعتقد أنه انتقل لصيد فريسة أسمن. عندما سألته لماذا يستهدف شخصا فقيرا مثلي قال لي: “هل تعتقد أنني لا أستهدف أثرياء الخليج؟ بالطبع أستهدفهم. من حسن حظك أن صفحتك على فيسبوك تقول أنك لست متزوجا و إلا كنت طلبت منك مبالغ أكبر بكثير”.

    أعتقد أن الأمر انتهى و لكنني من حين لآخر أبحث في فيسبوك إن كان قد رفع التسجيل مرة أخرى.

    داخل مدينة وادي زم

    نسبة غير صغيرة من حالات النصب الإليكتروني أو ما يمكن تسميته “فخ الجنس عبر سكايب” تم تعقبها في مدينة وادي زم في وسط المغرب و التي تقع على بعد حوالي 150 كيلومترا شرق مدينة الدار البيضاء.

    واد زم عاصمة الابتزاز الجنسي الإلكتروني

    في يونيو 2016 تمكن الصحفي في “بي بي سي” رضا الماوي من الوصول إلى أحد هؤلاء المحتالين في مدينة وادي زم و هو شاب في العشرينات من العمر، طلب منه أن يسميه “عمر” و هذا الاسم على ما يبدو هو كناية عن المال الوفير باللغة “الدارجة” عند الشباب المغربي.

    شرح “عمر” ل رضا الماوي بالتفصيل جميع مراحل عملية النصب بدءا من الرصد ثم الاستهداف و من ثم الإيقاع بالضحية وصولا إلى الابتزاز في النهاية. وشرح له كيف يمكنه رصد الضحية المُحتملة.

    فكل ما يود معرفته عن الضحية موجود على فيسبوك: مدى ثراء الضحية، وضعه في المجتمع، حالته الاجتماعية. فصفحاتهم في الغالب تظهرهم وهم يقودون سيارات فارهة و يسكنون منازل فخمة أو في سفراتهم إلى الخارج. أضاف أنه بحكم خبرته لاحظ أن المشاركين في موقع إنستغرام يكونون أكثر ثراءا في الغالب من الموجودين على مواقع أخرى للتواصل الاجتماعي. كما أن نوعية الهاتف المستخدم تدل أيضا على وضعهم المادي.

    “نقطة الضعف عند العرب معروفة وهي الجنس”. هكذا استهل عمر حديثه مع رضا الماوي قائلا: “نقطة الضعف الأخرى هي لو كان الشخص متزوجا و لديه معارف كثر على فيسبوك. كل هذه النقاط يمكن أن نستغلها ضده”.

    و يقول عمر إن الدول الأسهل في الاستهداف هي دول الخليج.

    استمر عمر في شرح نوعيات الرجال الذين يشكلون صيدا سمينا له:

    “هناك مثلا أصحاب الدين. تتعجب و تقول ‘هذا يبدو شيخا جليلا و يحمل القرآن و من المستحيل أن يقع في ذلك الفخ. فلنجرب معه” و عندما تجرب يقع في الفخ!”.

    يتسم أسلوب عمل عمر و أقرانه بفاعلية واضحة اكتسبوها بحكم الخبرة و التكرار. فهم يفتحون بالتوازي عدة خطوط دردشة قد تصل إلى 10 حوارات في نفس الوقت. و بمجرد رد الضحية على مكالمة سكايب – أو من خلال فيسبوك نفسه مؤخراً- يشغلون برنامجا محددا يظهر للضحية و كأنه يخاطب مباشرة فتاة على الخط الآخر. في الحقيقة تكون “الفتاة” تسجيلا مسبقا لحوار على ‘الويبكام’ مأخوذ من أحد المواقع الاباحية.

    و هم لذلك لا يخاطبون ضحاياهم بالصوت بل بالدردشة الكتابية حتى لا ينكشف أمرهم. و ما يساعدهم على ذلك هو أنهم يعرفون عن ظهر قلب جميع إيماءات و حركات الفتاة على الفيديو و يقومون بتوجيه الدردشة حسب تسلسل مشاهد التسجيل.

    يستطرد عمر قائلا: “نطلب منه أن يخلع ملابسه و يأتي بحركات مخلة، و أشياء إباحية. من الضروري أن يكون مجردا من ملابسه تماما. و يجب أن تكون اعضاؤه واضحة. و عليه أن يأتي بحركات محددة اثناءها يتم تسجيله مع التقاط وجهه. إذن يتم تسجيل ذلك و وجهه واضحا حتى يظهر الفيديو بمصداقية أكبر”.

    يستخدم المحتالون برنامج كمبيوتر يقوم بالتقاط فيديو الضحية و يتولى تسجيله.

    “بعد تسجيل المقطع نضعه على حساب على موقع يوتيوب و نبعث به في رسالة خاصة بمعنى أن الضحية فقط هو الذي يمكن أن يطلع عليه. نبعث له الرابط و نطلب منه أن يشاهده. و حينها يبدأ التهديد”.

    و لخص عمر عملية النصب و الابتزاز في ثلاث مراحل: 20 دقيقة كلام و دردشة، 20 دقيقة لمقطع الفيديو الذي نسجله ثم نحفظه، و العشرين دقيقة الأخيرة تكون للتهديد. التهديد و التفاوض.

    واد زم عاصمة الابتزاز الجنسي

    مدينة وادي زم لا تبدو عليها علامات الثراء الفاحش باستثناء عدد من السيارات الفارهة و الدراجات البخارية غالية الأثمان. و لكن بي بي سي أحصت أكثر من 50 مكتبا للتحويلات المالية في المدينة و هو رقم مرتفع إذا ما قيس بحجم المدينة و عدد سكانها. أحد أصحاب هذه المكاتب – رفض أن نذكر اسمه – قال إن المكتب الواحد ي دخله في المعدل ما يوازي حوالي 10 آلاف دولار يوميا من أموال الابتزاز.

    قبل انتشار هذه الظاهرة كانت مدينة وادي زم تعتمد على تحويلات من نوع آخر، و هي تحويلات أبناء المدينة الذين يعملون في أوروبا و بالأخص إيطاليا، حسب الدكتور أمين السعيد و هو محاضر في مادة القانون و أحد أبناء وادي زم و الذي يعمل على توعية الشباب بعواقب و مضار النصب الإلكتروني أو “الأرناك” كما يطلق عليه باللغة الفرنسية. يستطرد الدكتور أمين السعيد أن الأزمة الاقتصادية التي عمت أوروبا منذ 2008 أثرت بشدة على تحويلات أبناء المدينة العاملين بالخارج مما دفع قطاعا من الشباب إلى البحث عن مصدر بديل انطلاقا من فكرة أن الغاية تبرر الوسيلة.

    بحث أبناء المدينة عن مصادر دخل من الخارج يعود في الأصل إلى تراجع الاعتماد على الزراعة كمصدر أساسي للعيش بسبب عدم تطور أساليب الزراعة في المنطقة مما أثر على مردودها.

    هذا يضاف إلى مشكلة البطالة التي يعاني منها شباب المدينة على الرغم من أن إقليم خريبكة الذي تقع فيه مدينة واد زم يحتوي على ثالث أكبر مخزون لمادة الفوسفات الخام في العالم.

    و شهدت ساحة الشهداء، في مقابل مبنى الكنيسة التي تعود إلى عهد الاستعمار الفرنسي، الصيف الماضي سلسلة من المسيرات و الوقفات الاحتجاجية لخريجين يطالبون بتوظيفهم ومن بينهم حركة ‘بغيت حقي في الشغل. عضو الحركة صلاح الدين الكنان يقول إن الحركة تطالب بتطبيق حق التشغيل الذي كفله دستور عام 2011 و بتعيين أبناء المدينة في مجمع للفوسفات الذي يقع على بعد أقل من 20 كيلومترا خارج المدينة.

    “مخزون الفوسفات في الإقليم هو من الأعلى في العالم و يساهم في الأمن الغذائي العالمي بينما سكان المدينة يعانون من آثار صناعة الفوسفات الصحية مثل الربو و السرطان و هشاشة العظام”.

    يضيف الكنان أنه من العار أن تتحول مدينة وادي زم من “مدينة الشهداء” التي صمدت في وجه الاستعمار الفرنسي إلى عاصمة ما يعرف بالأرناك.

    المصدر: بي بي سي عربي

    loading...